مصطلح "التدبر" في القرآن قريب من مصطلح "التفكر"
ومصطلح "التدبر" في القرآن قريب من مصطلح "التفكر" وإن لم يكونا مترادفين. فكأن "التدبر" ينصرف استعماله غالبا إلى تأمل القرآن، بينما "التفكر" ينصرف استعماله إلى تأمل الكون المنظور. قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ!﴾
(آل عمران: 190-191)
. وإذا تأملت وجدت نتيجة كُلٍّ من التدبر والتفكر واحدة، ألاَ وهي: الاتعاظ والاعتبار! وهو ما حكاه الله عن الذاكرين المتفكرين:
(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ!)
إن هذا معناه أيضا أن النظر "التفكري" في الكون ليس عملا عقليا معقدا، خاصا بعلماء الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات والبيولوجيا والطبيعيات... إلخ! نعم هم مشمولون بأمره، بل هم أولى به! لكن "التفكر" كالتدبر، مطلوب أيضا من غير المتخصصين، بل حتى من العوام! كُلٌّ على قدر فكره!.. وما يدريك؟ لعل فلاحا بسيطاً، يصل إلى عِبَرٍ للقلب لا يتحقق بها المتخصص الخبير! لأن نتائج كُلٍّ من التدبر والتفكر محض هبة من الرحمن، ومجرد هُدًى منه تعالى!
إن التدبر والتفكر يؤولان معاً إلى مصطلح قرآني مركزي ثالث، ألا وهو "التَّذَكُّرُ" بالذال المعجمة، أو "الاِدِّكَارُ" بالدال المهملة،
ومشتقاتهما وهما سواء . قال تعالى:
﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾(ص: 29) وقال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾
(القمر: 17).
وإنما يختص "التدبر" بتحصيل الذكرى عن طريق النظر في الآيات القرآنية. بينما يختص "التفكر" بتحصيل الذكرى بالآيات الكونية. هذا هو الغالب، وربما وجدت هذا بمعنى ذاك. إذ بينهما علاقة جدلية؛ لأن أحدهما يؤدي إلى الآخر.
فالتدبر للقرآن يقودك إلى التفكر في الوجود، والتفكر في الوجود يعود بك إلى القرآن. وهما معا في جميع الأحوال يثمران تَذَكُّراً للقلب وذكرى.
ولا يقول عاقل بأن التذكر والذكرى يحتاج فيها الإنسان إلى خبرة علمية وتخصص دقيق! سواء في الشرعيات أو في الكونيات.
كلا! كلا!.. إنما هو عمل قلبي محض، مفتوح لكل ذي قلب! وبذلك قامت حجة الله على جميع الخلق عربهم وعجمهم،
خاصتهم وعامتهم! قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾
(ق: 37)
وبذلك يتبين ما لتعقيد الضوابط والشروط للتدبر أو للتفكر، من خروج عن منهاج القرآن! قال تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾
(الجمعة: 2).
إن المتدبر أو المتفكر – كليهما - في حاجة إلى التحقق بأمرين اثنين:
- الأول: الفهم العام للآية قراءةً، أو سماعاً إن كان أميا. ويحسن أن يكون ذلك بمجلس مدارسة، تعلما وتعليما، على منهاج رسول الله
- معلم الأميين - صلى الله عليه وسلم.
- الثاني: إخلاص النظر لله! وكلاهما بمقدور جميع الناس، إلا من رُفِعَ عنه القلم!
قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ!﴾
(سبأ: 46)
وهذا خطاب موجه في الأصل للكفار، فتأمل!
وأحب قبل ختام هذه الكلمات أن أعززها بإيراد أمثلة عن تدبر النبي - صلى الله عليه وسلم – وتفكره. فالسنة هي البيان الرئيس للقرآن الكريم ومفاهيمه. وأمثلة أخرى عن تدبر الصحابة رضي الله عنهم، وكذا بعض التابعين.
ففي مشهد من أَجَلِّ مَشَاهِدِ النبوة، لم يزل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يبكي في صلاته من تدبره وتفكره؛ إذْ أَرَاهُ اللهُ من أسرار مَلَكُوتِهِ ما أَرَاهُ؛ حتى بكت الأرض ببكائه عليه الصلاة والسلام!..
فقد سَأَلَ عُبَيْدٌ بْنُ عُمَيْرٍ عائشةَ رضي الله عنها، قَالَ: «أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم! قالَ: فَسَكَتَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ! ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي!" قُلْتُ: وَاللهِ إنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ.. قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ!
قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ! قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأرْضَ! فَجَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟.. لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا
وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا!
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ. رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ!﴾»
(آل عمران: 190- 191)
.
وقد ورد التدبر والتفكر ههنا بمعنى واحد كما أشرنا إليه من قبل، لارتباطهما الجدلي. فقوله صلى الله عليه وسلم:
(وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا!)
هو بمعنى: لم "يتدبرها" لأن تدبرها مُفْضٍ بالضرورة إلى التفكر في خلق السماوات والأرض؛
ولذلك عبر هنا بالتفكر. وأما وعيده - عليه الصلاة والسلام - للممتنع عن التفكر بالويل؛ فهو دليل قوي على وجوب التفكر والتدبر – إجمالاً - على جميع الناس! سواء منهم العالم والعامي، كُلٌّ على ما يسر الله له.. فتأمل!
وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال:
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلث الليل، قام فقال: "يا أيها الناس!.. اذكروا الله! جاءتِ "الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ!" جاء الموت بما فيه! جاء الموت بما فيه!...)
ولا يخفى ما في الحديث من تضمين لآيتي النازعات:
﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾
(النازعات: 6-7).
وما في ذلك من تدبر عجيب لهذه الحقيقة الإيمانية في جوف الليل؛ وذلك لِشَبَهِ الليل بظلمة القبر من جهة، ولأن الليل – من جهة أخرى - هو موتٌ لحركة النهار! وفي ذلك أيضا إشارة إلى أن على المؤمن أن يجعل تفكره في الظواهر الكونية مرتبطا بتدبره للآيات القرآنية؛
بسبب ما ينتج عن ذلك من التشمير والجد والعمل! حيث تقع الآيات بعد ذلك على النفس الكسولة الغافلة، موقع السوط اللاهب على ظهر الدابة الخاملة! فتقفز مسرعة بصاحبها في الطريق إلى الله!
وكذلك كان تدبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فعن التابعي العابد الزاهد ابن أبي مليكة رحمه الله،
قال: «صَحِبْتُ ابنَ عباس - رضي الله عنهما - من مكة إلى المدينة، فكان إذا نزل قام شَطْرَ الليل! فَسُئِلَ: كيف كانت قِرَاءَتُهُ؟ قال: قرأ:
﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ..﴾
(ق: 19)
فجَعلَ يُرَتِّلُ ويُكْثِرُ في ذلك النَّشِيجَ!» والنَّشِيجُ: شدة البكاء،
إذا هاج على صاحبه؛ فبكى بصوت مخنوق في صدره، فصار له أَزِيزٌ كأزيزِ القِدْرِ أو الْمِرْجَلِ!
وفي تفسير الطبري: (أن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قرأ هذه الآية:
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾
(المؤمنون: 104)
، قال: ألم تر إلى الرأس الْمُشَيَّطِ بالنار، وقد قَلُصَتْ شفتَاه وبدت أسنانُه!) يقصد التمثيل التدبري للمعنى برأس الكبش الْمُشَيَّطِ، أي بعد تشويطه بالنار.
تقول: شَوَّطَ وشَيَّطَ، سواء. وهذا تدبر عجيب؛ لما فيه من ربطٍ للآيات القرآنية بالمشاهَدَات اليومية في الحياة الدنيا
- رغم عظم الفرق - ولكن الاتعاظ بالصغير الحقير أدعى إلى الاتعاظ بالكبير الخطير!
وفي ترجمة عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - في الإصابة لابن حجر، أنه: (كان – رضي الله عنه - إذا قرأ هذه الآية:
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾.. الآية
(الحديد: 16)
يبكي حتى يغلبه البكاء..!)
وورد (أن أبا طلحة – رضي الله عنه - قرأ هذه الآية:
﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾.. الآية
(التوبة: 41)
، فقال: أرى ربي يستنفرنا شيوخَنا وشُبَّانَنَا! جهزوني أيْ بَنِيَّ! جهزوني! [يعني للجهاد! وكان يومها قد شاخ وكَبُرَ!] فقال بنوه: قد غزوتَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ونحن نغزو عنك! [أي بعدما عجزت] فقال: جهزوني! فركب البحر، فمات. فلم يجدوا له جزيرة [لدفنه] إلا بعد سبعة أيام! فدفنوه فيها ولم يتغير!)
وعند تفسير قوله تعالى:
﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾
(الكهف: 49)
، قال الإمام القرطبي: (وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول: يا ويلتاه..! ضَجُّوا إلى الله تعالى من الصغائر قبل الكبائر!)
وروى الإمام البيهقي في شعب الإيمان بسنده عن الواعظ الكبير مالك بن دينار أنه رحمه الله: (قرأ هذه الآية:
﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾.. الآية:
(هود: 88)
. قال: «فَأُسَمَّى في القيامةِ مَالِكاً الصَّادِقَ، أو مَالِكاً الكاذبَ!»)
وهو بذلك يُنَـزِّلُ مضمون الآية على نفسه – حيث كان واعظاً – فجعل يحاسب نفسه بميزان القرآن، ويتدبر الآية بالنظر إلى نفسه،
مشفقاً من حالها ومآلها، وما قد يكون من مصيرها! قصد تهذيبها، وكسر شوكة غرورها، وتصفية مقاصدها، وتجريد إخلاصها لربها! وهو من أجل ضروب التدبر والتفكر!
وفي الزهد لأحمد بن حنبل - وغيره - أن مالكا بن دينار أيضا قرأ هذه الآية:
﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾.. الآية
(الحشر: 21) )
فبكى،
وقال: «أقسم لكم! لا يؤمن عبدٌ بهذا القرآن إلا صدع قلبَه!») الله أكبر..! ألا ما أجله من تدبر! وما أدقه من تفكر!
لقد وضع مالك بن دينار – رحمه الله - قلبَه موضع الجبل! فكيف تراه يكون؟ أيكون أشد صلابةً من الجبل؟ كيف بقلب يتلقى القرآن حق التلقي، كيف به وهذا الجبل قد خشع له وتصدع!؟
وأنت تلاحظ أن هذه النصوص جميعا ليست من قبيل التفسير بمعناه الاصطلاحي الخاص، وإنما هي مجرد تعبير عن المشاعر الخاصة، والمواجيد الجياشة، الحاصلة في النفس عند تلاوة الآيات، وما يخالط القلب من الرَّغَبِ والرَّهَبِ، والخوف والرجاء، في طريق السير إلى الله!
كما أن فيها تنـزيلا للآيات على واقع النفس، أو واقع المجتمع، أو على أحوال الطبيعة حول الإنسان، ومشاهدةً لبروق الوعد والوعيد، من خلال تقلبات الليل والنهار.
وفضحاً لغش النفس وضعفها؛ بتسليط كشافات القرآن عليها! كما أن فيها مشاهدةً للعزائم العالية التي طلبها الله عز وجل من العباد، وما ينتصب دونها من مشاق الطريق ومكارهها! ولذلك ترى المتدبرين للقرآن والمتفكرين في آياته الكونية، بين بَاكٍ مختنق بالأنين، أو مُطْرِقٍ مهموم حزين! ولا يخرج كلاهما من مجلسه أو خلوته إلا بعزيمة تهد الجبال! وإن الواحد من هذا الطراز البشري العظيم لهو بأمة!
ذلك هو التدبر، وذلك هو التفكر، وتلك هي الذكرى.. وإنما ثمرة ذلك كله هو تهييج النفس على العمل،
وتنشيط القلب على السير، وتوثيق إرادة النفس على عزائم الأعمال!.. فكذلك كان تدبرهم للقرآن، وكذلك كان تفكرهم في الزمان.. فما بالنا نحن؟ إنما نحن في حاجة إلى قلوب مثل قلوبهم، وإخلاص مثل إخلاصهم!
وإنني لعلى يقين لو أن الناس اليوم يُحْيُونَ هذا المسلك في النفوس من جديد، ويتداولون القرآن في المجتمع على هذا الوِزَانِ؛ لتدفقت أنهار النور على الظلام! ولكان للأمة في هذا العصر شأن آخر..! وإنه لَيَكُونَنَّ إن شاء الله! وما ذلك ببعيد..! فإنني أرى عباداً لله خُلَّصاً قد بدؤوا يرفعون راية القرآن فوق تلال قلوبهم!.. وإن نصب راية القرآن على تلال القلوب لهو:
﴿نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ.. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ!﴾
(الصف: 13).
اللهم ألهمنا مراشدنا، واسلك بنا سبيل الهدى، واجعلنا سببا لمن اهتدى