الدلالات الرمزية لقصة موسى عليه السلام
إن القرآن عندما يأخذه الذين
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ﴾
(البقرة:121)
يكون بين أيديهم نورا يبد
د ظلمات الضلال، وزلزالا يخسف بحصون الإفك والدجل أنى كانت، ومهما كانت! واقرأ قصة موسى مع سحرة فرعون فإن فيها دلالة رمزية عظيمة على
ما نحن فيه، في خصوص زماننا هذا!
ذلك أن "كلمة الباطل" كانت تمثلها آنئذ زمزمات السحرة، فتجردوا لحرب كلمة الحق التي جاء بها موسى،
وخاضوا المعركة على المنهج نفسه الذي يستعمله الباطل اليوم، إنه منهج التكتلات والأحلاف! تماما كما تراه اليوم في التكتلات الدولية التي تقودها دول الاستكبار العالمي ضد المسلمين في كل مكان!
اقرأ هذه الكلمات مما حكاه الله عن سحرة فرعون لما قالوا:
﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾
(طه:64)
.. إنه إجماع على
الكيد، كهذا المسمى في السِّحر الإعلامي المعاصر: بـ"الإجماع الدولي" و"الشرعية الدولية" والمواجهة لا تكون إلا بعد جمع كلمة الأحلاف وصنع الائتلاف؛ لمحاصرة الحق من كل الجوانب
﴿ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾
ثم يكون توريط المشاركين وتورطهم في الغزو بصورة جماعية، ولو بصورة رمزية!
وذلك للتعبير عن "الصف" في اقتراف الجريمة، فيتفرق دم المسلمين في القبائل! قالوا:
﴿وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾
وتلك واللهِ غاية دول الاستكبار العولمي الجديد، التي يصرح بها تصريحا: السيطرة على العالم بالقوة! والتحكم في مصادر الخيرات والثروات!
ولكن أين أنت أيها الفتى القرآني؟
أنت هنا!.. اقرأ تتمة القصة وتأمل:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾
(طه:65-69).
إن القرآن الذي بين يديك أشد قوة من عصا موسى قطعا! فلا تبتئس بما يلقون اليوم من أحابيل ثقافية وإعلامية وسياسية حَذَارِ حَذَارِ! وإنما قل لهم:
﴿بَلْ أَلْقُوا﴾.
. وَتَلَقَّ عن الله كلماته بقوة، أعني قوله تعالى:
﴿قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾
وبادر إلى إلقائها بقوة، كما تلقَّيتَها بقوة:
﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾
إنَّ كلمات القرآن عندما تُـتَلَقَّى بحقها تصنع المعجزات! فإذا أُلْقِيَتْ بقوة أزالت الجبال الرواسي، من حصون الباطل وقلاع الاستكبار! و
لذلك قال الله لرسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:
﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾
(النمل:6)
. وأمره بعد ذلك أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا! وهو قوله تعالى:
﴿فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾
(الفرقان:52)
. والمقصود بمجاهدة الكفار بالقرآن: مواجهة الغزو الثقافي والتضليل الإعلامي بمفاهيم القرآن وحقائق القرآن.
إن تلك الثقافة وذلك التضليل هما اللذان يجعلان الشعوب تقبل أن تكون حقولا لتجريب أحدث أسلحة الدمار والخراب!
إن العبد لا يكون عبدا تحت أقدام الجلّاد؛ إلا إذا آمن هو أنه عبد! ووطن نفسَه للعبودية! مستجيبا بصورة لاشعورية لإرادة الأقوياء.
وذلك هو السحر المبين. والقرآن هو وحده البرهان الكاشف لذلك الهذيان، متى تلقته النفس خرجت بقوة من الظلمات إلى النور. فيا له من سلطان لو قام له رجال!
إن المشكلة أن الآخرين فعلا يلقون ما بأيمانهم، فقد ألقوا اليوم "عولمتهم"، لكننا نحن الذين لا نلقي ما في أيماننا، ويقف المشهد -مع الأسف-
عند قوله تعالى:
﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾
(طه:66-67)،
ثم لا يكتمل السياق، وتلك مصيبتنا في هذا العصر.