التعرف على سنة الله عز وجل في التغيير وهي التفسير الإسلامي للأحداث
ولقد ظهرت بعض الدروس والحكم جلية من خلال هذه الأحداث المؤلمة ، مع أن ما خفي علينا في غيب الله عز وجل من الحكم والمصالح أكثر، ومن هذه الدروس التي ظهرت ما يلي :
الدرس الأول : التعرف على سنة الله عز وجل في التغيير وهي التفسير الإسلامي للأحداث :
إن ما حصل من أحداث في دولة الكويت ، وما ترتب على هذا الحدث من أمور ومستجدات قد فتح أعيناً عمياً وآذاناً صماً على حقيقة مهمة وسنة ثابتة لا تتغير ؛ ألا وهي :
{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
[الرعد:11]،
وأصبحنا والحمد لله نجد هذه الحقيقة على ألسن كثير من الناس الذين منَّ الله عليهم باليقظة بعد الغفلة رجالاً ونساءً وعوام ومثقفين ، وهذا بحد ذاته نعمة ومنحة ورحمة من الله عز وجل لم تكن لتحصل لولا قدر الله عز وجل لهذا الحدث .
لقد كنا نعترف ونؤمن بهذه الحقيقة قبل ذلك ، ولكنه إيمان ضعيف، أما الآن فقد تحول هذا الإيمان إلى صـورة واقعية عملية ؛ صـار الخبر فيها عياناً، ولا شك أن الإيمان بهذه السنة الثابتة وأثرها على النفوس سيكون أبلغ وأقوى من الإيمان بها قبل وقوعها ، وكما هو معروف أن الطرق على الحديد وهو ساخن أقوى بكثير في تليينه وتأثره من الطرق عليه وهو بارد .
كما أن رحمة الله عز وجل وحكمته البالغة قد تجلت في هذا الحادث بأنه لم يترك الناس ينحدرون وبعجلة سريعة إلى الفساد ، وهم غافلون عما ينتظرهم من الهوة السحيقة التي هم قادمون عليها لو استمر انحدارهم، ولم يأت ما يوقفهم ويحد من انحدارهم إذا لم يصلحوا أنفسهم، ويوقفوا فسادهم بالوسائل الشرعية للإصلاح ، فيقدر عليه أحداثاً مؤلمة تشدهم عن المزيد من الانحدار ، وتقف أمام تهالكهم على الفساد لعلهم يرجعون ويتوبون ويستيقظون من غفلتهم .
قال الله تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
[الروم:41]
، وهذه والله هي عين النعمة والرحمة ،وإن كان ظاهرها التشريد والقتل وفقد الأموال ، فإن كل هذه المصائب تهون وتصغر عند فقد الدين ، وما يترتب على ذلك من مفاسد كبيرة ،لو استمرت عجلة الفساد في انحدارها الشديد ، ولم يأت للناس ما يوقفهم ويهز رؤوسهم ليستيقظوا ويتداركوا أنفسهم من السقوط في هوة سحيقة هم يتجهون إليها لو لم يوقفهم الله عز وجل بما يقدره من أحداث.
وإن هذا الدرس العظيم لا يدركه ، ولا يستفيد منه إلا المؤمن الذي يجعل من مثل هذه الأحداث باباً إلى التوبة ومحاسبة النفس ، والرجوع إلى الله عز وجل ، وتغيير الأحوال .
أما المنافق، والمادي، والعلماني، وغيرهم من أهل الإلحاد والزندقة، فلا تراهم إلا ساخرين ومستهزئين من هذه المعاني العظيمة ، والأصول الإيمانيـة الثابتة ، ولا تزيـدهم هذه الأمور إلا كبراً ما هم ببالغيه ، ولن
يزيدهم هذا إلا رجساً إلى رجسهم ،
كما قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}
[التوبة:124- 126].
وقال تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
[الأنعام:43].
الدرس الثاني : تمييز الخبيث من الطيب :
يقول الله تعالى : {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ }
[آل عمران:179]
إن من رحمته تعالى وحكمته البالغة أن يقدر أحداثاً مؤلمة تتميز من خلالها الصفوف ، وتتعرى فيها النفوس ، فتظهر على حقيقتها للناس . وهذا هو الذي ظهر من خلال هذه الأحداث ؛ حيث ظهرت حقائق مهمة ساهمت في توعية الناس ، والدعاة منهم بصفة خاصة ، وذلك بحقيقة أعدائهم ، وتهافت راياتهم ، وانكشاف مخططاتهم ، وادعاءاتهم الكاذبة التي كانوا يخدعون بها الناس . وتعرت بذلك دول وأفكار ودعوات، بل إن الإنسان نفسه قد تعرى أمام نفسه، وكشف من خلال هذه الأحداث حقائق من حوله،ومن نفسه ،ما كانت لتعرف لو لم يقدر الله عزوجل مثل هذه الأحداث،وإن هذه الثمرة الكبيرة، من توعية المسلمين بحقيقة أعدائهم ، وبحقيقة الأفكار والنحل التي تتلاطم من حولهم ، ما كانوا ليعرفوا عنها شيئاً ، وبهذا الكم الهائل من المعلومات،لولا تقدير الله عز وجل لهذا الحدث.
وقد حقق الله عز وجل هذه الثمرة في أسابيع عدة ما كانت الدعوة الإسلامية لتحصل عليها في عدة سنوات ، والأيام حبلى بدروس وعبر جديدة ؛ أليس هذا من رحمة الله وفضله ؟ ، بلى والله.
ولا يعني هذا أنا نتمنى المصائب والفتن ؛ معاذ الله ، فإن المسلم لا يدري ما تكون حاله حينئذ ، وقد نهانا رسول الله لله عن ذلك بقوله :
" لا تتمنوا لقاء العدو ، وإذا لقيتموه فاصبروا" .
ولكن أردت الإشارة هنا إلى ربط الأحداث بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ، وأن شيئاً في هذا الكون لا يكون إلا بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة ، ويريد الله عز وجل منه الخير للمسلمين في الحال أو المآل