إن الدعوة إلى الله إنما هي تعريف بالله
تبصرة:
إن الدعوة إلى الله إنما هي تعريف بالله.. فتأمل! هؤلاء الناس الذين شغلتهم أموالهم الفانية، وأشغالهم الصبيانية، وأحزانهم الطفولية، وألهتهم عن التفكير في حقيقة أنفسهم وحقيقة الوجود من حولهم، إنما هم في هذا المقام كالأطفال، لا يدرون ما يضرهم مما ينفعهم، فهم أحوج ما يكونون إلى من يذيقهم لحظة من لحظات المحبة الربانية؛ عسى أن يجدوا شيئاً – ولو قليلا – مما وجدت؛ فيتعلقوا بجمال الله كما تعلقت:
(ورجل قلبه معلق في المساجد)،
ويدركوا حينئذ أن للوجود معنى أعظم بملايين المرات مما عرفوا في وعيهم البهمي الساذج.
وبالتعريف بالله تزداد – أنت أيضاً – معرفة جديدة به. فكأنك إذ تسعى إلى تعريف غيرك به؛ تكتشف أنك إنما تعرف نفسك به! فعملك ذاك خير الأعمال، وسعيك ذاك أحسن ما في منازل الإيمان من جمال
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}
[فصلت: 33]
. التعرف إلى الله والتعريف به كلمة لا تشرحها العبارات، ولا تكشفها الإشارات، ومهما سودت لك من ورقات، أو صنفت من مصنفات؛ فإني سأبقى دون مداركها الشاملة على شاطئ الابتداء! وإنما الذي عليَّ أن أبلغك أنها الحلاوة التي لا تدانيها حلاوة، وليس لي أبداً أن أصف لك المذاق لأن الحلاوة لا تدرك إلا أن تذاق، فلتعرف ما هنالك ذق! وعذري في هذا كله أن أصف لك الطريق، فاسلك عسى أن تكون من الراشدين!
التعرف إلى الله والتعريف به: ذلك هو رأس العلم وتلك هي زبدة المعرفة، وعليها ينبني ما بعدها من كلمات، في بلاغ الرسالة القرآنية، فلا مبدأ من مبادئها، ولا ركن من أركانها؛ إلا وهو مضمن في المعرفة بالله.
يمكن لك يا صاح – بالتدبر والإبصار – أن تجد كل ذلك عنده؛ لأن من وجد الله – كما في الحكمة المأثورة – وجد كل شيء، ومن فاته الله فاته كل شيء، كيف لا وقد قال الله في بلاغه الحكيم:
{فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ}
[يونس 32]،
ولذلك نوجز ما بقي من بلاغات الرسالة، مختصرين الكلام في المعاني المفتاحية، ولك في كتبنا المفصلة في هذا ما يغني إن شاء الله، وإنما العبرة عندنا هاهنا إبلاغ البلاغ بأخف ما تدركه الأسماع.