أثر الذكر على القلب


الشيخ عبد الرحيم الطحان

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3] . وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد: معشر الإخوة الكرام! كنا نتدارس منزلة ذكر الرحمن في الإسلام، وقلت: إن منزلة الذكر عظيمة جليلة، ومن أجل ذلك أمرنا الله جل وعلا أن نذكره على الدوام، وبينت أن فوائد الذكر كثيرة تزيد على مائة فائدة، وهذه العبادة الجليلة التي نتدارسها وذكرنا شيئاً من فضائلها -فيما مضى- قلت: إن المخرفين غيروها وبدلوها، ووضعوا شيئاً مكانها؛ ألا وهو القصائد والأشعار، وزعموا أنهم يتقربون بها إلى العزيز القهار. إخوتي الكرام! إن الذكر له منزلة عظيمة جليلة، وفوائده كثيرة غزيرة، وسنتدارس في هذه الموعظة فائدةً من فوائده فقط، ثم نتدارس بقية خطوات البحث إن شاء الله. إن الذكر قوت للقلب وقوة له، وإن الذكر فيه صلابة للقلب وشدة له، وإن الذكر أيضاً فيه لين للقلب ورقة له، وأيضاً فيه صفاء للقلب وبهجة له. إن قلب الذاكر يجمع بين هذه الصفات، فيحصل له القوت بذكر الله، ويحصل له القوة بذكر الله، ويحصل فيه الشدة والصلابة بذكر الله، ويحصل فيه البهجة والصفاء بذكر الله، ويحصل له اللين والرقة بذكر الله، ولذلك كان قلب الذاكر أطهر القلوب وأحبها عند علام الغيوب. ثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه وأرضاه، والحديث حسنه الإمام الهيثمي وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده جيد، والحديث روي من رواية أبي أمامة الباهلي أيضاً في حلية الأولياء، وروي من رواية سهل بن سعد في كتاب الحكيم الترمذي ، فهو من رواية أبي عنبة الخولاني و أبي أمامة وسهل بن سعد رضي الله عنهم أجمعين. ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: ( إن لله آنيةً في الأرض، قالوا: وما آنية الله يا رسول الله! عليه الصلاة والسلام في الأرض؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن لله آنيةً في الأرض، وآنية الله في أرضه قلوب عباده الصالحين، وأحب هذه القلوب إلى علام الغيوب أصفاها وأرقها )، وفي بعض الروايات في هذا الحديث وهو حديث صحيح-: ( إن أحب الآنية إلى الله -وهي قلوب عباده الصالحين- ما رق منها وصفا )، وفي بعض الروايات : ( وأحبها إلى الله أصلبها وأصفاها )، فالذي يذكر الله جل وعلا ويتصف بهذه الصفات يصبح لقلبه -كما قلت- القوت والقوة، والشدة والصلابة، والبهجة والصفاء، واللين والرقة، وقلبه أحب القلوب إلى علام الغيوب، ولا غرو في ذلك ولا عجب، فقد تقدم معنا أن من ذكر الله ذكره الله جل وعلا، والله مع العبد ما دام العبد يذكر ربه سبحانه وتعالى، وإذا كان معك فستتخلق بأخلاق صاحبك، وبأخلاق ربك، وبأخلاق حبيبك، فتتصف باللين، وتتصف بالشدة والقوة، والله يسددك عندما يكون معك، فستضع كل أمر موضعه، هذا هو حال الذكر عندما يكثر الإنسان من ذكر الرحمن سبحانه وتعالى.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ أثر الذكر على القلب

  • تواطؤ اللسان والقلب على ذكر الله

    محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

      من الذاكرين من يبتدئ بذكر اللسان وان كان على غفلة, ثم لا يزال فيه حتى يحضر قلبه فيتواطأ على الذكر. ومنهم من

    04/06/2013 5567
  • اذكره في كل أحوالك

    د. ماهر الفحل

    اذكر الله في كل أحوالك ؛ فذكرُ الله يصلحُ القلب ، وصلاح القلب يصلح الجوارح ، ولانجاة للعبد إلا بذلك ، ولا تُحقق

    03/01/2020 2120
  • ذكر الله نور للقلب

    الشيخ عبد العزيز الطريفي

    ‏‏ذكر الله نورٌ للقلب ، قد تستثقلة القلوب الغافلة أوّل أمرها كما تستثقل العين النور بعد الظلام ، و لكن إذا عاش

    30/03/2018 3237
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day