دليل النظام


علي بن محمد بن ناصر الفقيهي

المقال مترجم الى : עברית

 

دليل النظام:
 
النظام، والإتقان والتقدير في هذا العالم، شامل لجميع مخلوقات الله كلها، ذلك أن الكون منظم ومنسق، وانتظامه مرتبط بإرادة الله وقدرته، كما أن استمراره على هذه الحال منوط باختيار الله تعالى ومشيئته.
 
قال تعالى: {صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء}النمل آية 88.
 
وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} الفرقان آية 2.
 
وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر آية 49.
 
فلا عبث إذن ولا فوضى، وإنما هو نظام وإتقان وتقدير وتدبير، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} ص آية 27.
 
وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} المؤمنون آية 115
 
تعالى الله عن ظن الكافرين علواً كبيرا.
 
 
 
وقد بين الله في القرآن الكريم دقة هذا النظام الكوني، الذي جعله خالقه أية من آياته الدالة على وجوده، وقدرته، وعلى علمه وحكمته، وإتقان مصنوعاته، فقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يس الآية 37-40.
 
ودليل النظام يعتمد على دليل الخلق، غير أنه يزيد عليه التوضيح والبيان لما في ذلك الخلق من إبداع، واختراع، وتنظيم، وإتقان، وما تدل عليه، هذه المخلوقات من قصد في إيجادها وحكمة في تسييرها وتدبيرها.
 
 
 
ودليل النظام من الأدلة التي يدركها العقل الإنساني ويرضاها بيسر وسهولة لأنه لا يحتاج في إدراك مدلوله إلى كد ذهن وإعمال فكر، وغوص في لجج الاستدلالات المنطقية الجافة، لأنه خطاب موجه ممن يعلم طبائع النفوس البشرية، فاقتضت حكمته الإلهية، أن يخاطب الناس كافة، بالدليل الأيسر، والأسهل والأوضح، والذي يزداد على مر الأيام وضوحاً، وكلما تقدمت وسائل العلم، وانكشفت أسرار النواميس الدالة على النظام[10] والإتقان، مصداقاً لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق} فصلت آية 53.
 
 
 
فلو نظر الإنسان في عالم الأفلاك والكواكب، لرأى عجائب الخلق متجلية، ودلائل النظام والإتقان واضحة، فهي تسير على نظام ثابت لا يختل، كل كوكب منها يسير في مدار لا يتعداه، وانتظام دورته في زمن معين لا يتجاوزه، واختصاص كل كوكب بوظيفة خاصة يؤديها حسب ما قدر له، كل ذلك بحساب دقيق مقدر لا يزيد ولا ينقص فحركتها دائبة من غير فتور ولا خلل وذلك بتقدير من العزيز العليم.
 
 
 
إن ذلك كله ينبئ عن دقة في الصنع، وإحكام في النظام، وتحديد للهدف المقصود. وقد أشارت الآية الكريمة إلى تلك الدقة المتناهية، حيث تقول: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، فسير الشمس والقمر بحساب دقيق جعل أحدهما لا ينبغي له أن يدرك الآخر، ولا يسبقه، لأنهما لم يوجدا بالاتفاق والمصادفة، وإنما وجدا بالقصد والإرادة والاختيار، وكان سيرهما وحركتهما بتقد ير العليم الحكيم.
 
يقول سيد قطب في تفسير الآية- {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ِْ...} الخ 
 
 
 
 ومشهد قدوم الليل، والنور يختفي، والظلمة تغشى .... مشهد مكرر يراه الناس في كل طبقة من خلال أربع وعشرين ساعة (فيما عدا بعض المواقع التي يدوم فيها النهار، كما يدوم فيها الليل أسابيع وأشهرا قرب القطبين في الشمال والجنوب، وهو مع تكراره اليومي عجيبة تدعوا إلى الأمل والتفكر، والشمس تجري لمستقر لها)..
 
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة، تتحرك وتجري في الفضاء، لا يسندها شيء، تدرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود، عن قوة وعن علم... ذلك تقدير العزيز العليم... إلى أن يقول... وأخيرا يقرر القرآن دقة النظام الكوني الذي يحكم هذه الأجرام الهائلة ويرتب الظواهر الناشئة عن نظامها الموحد الدقيق {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
 
 
 
ولكل نجم أو كوكب فلك أو مدار، لا يتجاوزه في جريانه، أو دورانه، والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة، وقد قدر خالق هذا الكون الهائل أن تقوم هذه المسافات الهائلة بين مدارات النجوم والكواكب ووضع (تصميم)- تنظيم الكون على هذا النحو ليحفظه بمعرفته من التصادم والتصدع،- حتى يأتي الأجل المعلوم- فالشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل يسبق النهار ولا يزحمه في طريقه لأن الدورة التي تجيء بالليل والنهار لا تختل أبداً فلا يسبق أحدهما الآخر في الجريان- {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ})[11].
 
 
 
ودورة الشمس والقمر والكواكب، ليست مضبوطة بالساعة، أو الدقيقة، وإنما هي مضبوطة بسرعة الضوء أو الشعاع، الذي قدرت سرعته بقطع، (168) ألف ميل في الثانية تقريباً[12] يؤيد ذلك ما نقله ابن القيم وأقره، من اتفاق أرباب الهيئة وعلمائها، من أن الشمس بقدر الأرض مائة[13] ونيفاً وستين مرة، والكواكب التي نراها كثير منها أصغرها بقدر الأرض قال: وبهذا يعرف ارتفاعا، وبعدها، وأنت ترى الكوكب كأنه لا يسير، وهو من أول جزء من طلوعه إلى تمام طلوعه يكون فلكة قد طَلعَ بقدر مسافة الأرض مائة مرة مثلا، وهكذا يسير على الدوام، والعبد غافل عنه وعن آياته[14].
السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ دليل النظام

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day