ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم


فريق عمل الموقع

 { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم }  

كثيرا ما أمر بهذه الآية الجليلة التي ختمها الله جل شأنه باسمين من أسمائه

( وكان الله شاكرا عليما )

، فأجدنني في كل مرة أريد أن أنزوى خجلا من الله حيث لا يرانى أحد لكنه يرى سبحانه في كل مكان ! ، وهذه بعض تأملات مع هذه الآية الكريمة التي تهز القلب والوجدان هزا !

أولا : إن الله تعالى جعل الهداية بيده سبحانه وهى من باب ( الفضل ) والإضلال أيضا بيده وهو من باب ( العدل ) ولكنه العدل المسبوق بالحلم والإمهال والستر والرحمة ! فالله سبحانه يهدى من يشاء ويعصم ويعافى فضلا ، ويضل من يشاء و يخذل ويبتلى عدلا ! ، والآية الكريمة تجيب على السؤال المتفلسف ( كيف يعذب الله الضالين من عباده والإضلال بيده ) فتحيل الآية على أصل عظيم فى مسألة الإيمان بالقدر وهو أن باب الإيمان بالقدر لا يمكن الدخول فيه إلا من خلال الإيمان بأسماء الله وصفاته ! فمن دخل دخولا صحيحا حصل من زيادة الإيمان وقوة القلب وشدة التعلق بالله ما لا يحصله من ضل طريقه فى هذه المسألة !

إن الله تعالى يخبرنا عن نفسه جل شأنه أنه

( لا يظلم مثقال ذرة )

 وأنه سبحانه

( لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون )

وهو سبحانه واسع الرحمة

( ورحمتى وسعت كل شئ )

عظيم القدرة

( إن الله على كل شئ قدير ) ،

واسع العلم

( إن الله بكل شئ عليم ) ،

غنى بذاته

( يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد )

عظيم الحكمة

( وكان الله عليما حكيما )

ويخبر عن نفسه عز وجل أن

( رحمته سبقت غضبه )

وهذه الأخيرة تشير إليها الآية الكريمة ، فالله سبحانه شاكرا وشكورا ، يعطى العطاء الجزيل على الفعل القليل ويعلم من يعطى ومن يمنع فلا المعطى حرم فضله ولا الممنوع حرم عدله ! والإيمان بهذه المسألة له ثمرات تستحق التأمل !

فالله تعالى عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ! فياله من حمل ثقيل حمله الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ! ف تحقيق العبودية لله على ما يليق به سبحانه واجتناب ما لا يليق فى هذه الدنيا المليئة بالفتن لهو أمر لا يطيق أحد أن يتحمله بنفسه لذلك جاء فضل الله برعايته للعبد وتوفيقه للهداية والثبات عليها وإعانته على ذلك وهو الأمر الذى جعل فى صلاة المؤمنين واجبا

( إياك نعبد وإياك نستعين )

، فإن حدثتك نفسك أن الحمل ثقيل عليك فلا تكذبها فهو كذلك ! لكنك حين تضع ثقله بباب الله يعطيك من القوة ما لا تملكه ولا يملكه أحد !

فالهداية والثبات أمر صعب إن وكل إليك وأنت العبد الضعيف ، لكن الحمد لله الذى دعانا لوضع أثقالنا ببابه ! فبهذا وحده لا يقنط أحد أن يهتدى وإن طال بعده وعظمت إساءته فكل أمر على الله يسير ! وهذه الحقيقة أدركها وعبر عنها أهل الجنة بقولهم

( الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )

،، وفى المقابل لا يحرم الله تعالى عبدا هدايته إلا بتوالي الإساءة منه بل والإصرار عليها رغم ستر الله وحلمه وإمهاله ! وهنا تأتى الآية التي معنا لتجيب عن سؤال الحائر فما الذى يجعل الله يعذب عبدا مؤمنا شاكرا ؟! وهو سبحانه يحب الرحمة ورحمته سبقت غضبه ، إن ذلك لا يكون أبدا !! فلن يهلك على الله إلا هالك ! ذلك الهالك الذى يستحق الله الحمد على إهلاكه وتعذيبه بعد ما أعرض عن رحمة الله المبسوطة وهدايته الميسورة وأصر واستكبر إستكبارا 

( فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون فلله الحمد )

* وأيضا فإن العلم بأن الهداية من الله يحصن العبد من الكبر والعجب ويزيده لله تواضعا إذ أن كل علم أو عمل أو خير حصله إنما هو من فضل الله ! ، وختم الآية بذكر أن الله شاكرا يحمل العبد على الحذر من زوال النعمة بالإعراض عن شكرها ، فالشكر حصن من العذاب والشكر يكون بدوام الطاعة والشكر قرين الزيادة

( ولئن شكرتم لأزيدنكم )

، وبهذا الإدراك لا ينقطع عبد عن الاجتهاد فى الطاعة أبدا حتى يلقى الله وهو يجاهد فى تحصيل شكره !

* وإن كانت العبودية هى غاية الحب لله وغاية الذل له كما قال ابن القيم رحمه الله ، فإن الإيمان بالقدر هنا يرفع العبد لتحقيق مقام العبودية فهو محب لمن يهديه ، خائف ذليل أن يحرم الفضل بذنوبه، فمن كان حاله كذلك كان ملازما لعتبة العبودية مستمسكا بها بكل كيانه !

* نحن إذن كما تخبرنا الآية الكريمة آمنون من الظلم متعرضون للفضل من رب كريم شاكر عليم يعلم عن عباده ما لا يعلمه غيره وهم

( فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة )

، وانظر كيف قدمت الآية ذكر الشكر على الإيمان وهو جزء منه ! كأنها بذلك تشير إلى طريق الهداية ، فتأمل نعم الله والسعى فى شكره بطاعته كفيل بأن يجلب إليك الإيمان الذى يرضى الله بك عنه وهو واهبه لك ! وكفيل أن تكون فى مأمن من عذاب رب هو شاكر عليم !

آآآآآآه وألف آه ! ألم أقل لكم كلما مررت بها وددت أن أنزوى ، بل ربما وددت إنى لم أكن شيئا مذكورا ! فوالله لو لم يكن في الحساب إلا الحياء من الله لكان ثقيلا ! ، نحن والله قوم مغمورون فى نعم الله ، تلك النعم التى أعظمها الإسلام والإيمان والقرآن ، والانتماء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك وغيره من فضل الله وحده ( لولا الله ما اهتدينا ، ولا تصدقنا ولا صلينا ) ، أليس ذلك كافيا أن تكون صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا لله ؟ أليس ذلك كافيا أن نكون جندا لله خدما لدينه ؟! بلى والله إنه لكاف لو كان وحده فما بالك بنعم لا تعد ولا تحصى

( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )

إن ما يعتمل فى صدري من خواطر حول هذه الآية كثير جدا ولا يمكن بثه فى منشور كهذا لكن كأن هذه ( فضفضة ) أحاول أن أنفس بها عن صدر ممتلئ بالخجل يكاد أن ينفجر ! وأحاول بها أن أتعرض لرحمة رب شكور يأخذ بيد عباده من الظلمات إلى النور !

فالحمد لله الغنى الحميد القريب المجيب ، وإلى الله المشتكى !

 

السابق

مقالات مرتبطة بـ ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم

  • شكر الله علي النعم

    فريق عمل الموقع

    شكر الله عز وجل علي النعم وتعريفه وفضله مع بيان أركان الشكر وأنها من أجل نعم الله على الإنسان وسبيلاُ للفوز برضا الله تعالي

    20/10/2015 50271
  • إن الله يفعل ما يريد

    د. عبد الله بلقاسم

    ( إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) أجعل همك في الدعاء أن يريد الله ، أما كيف ؟ فلا تشغل به فكرك مهما بدا مرادك

    06/03/2017 4900
  • لا يسأل عما يفعل

    ابن تيمية

    قال الله تعالى:( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء/23. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه

    21/03/2020
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day